كتاب ومقالات

الشباب .. أغنية العيد بقلم / أحمد باحمادي

الشباب .. أغنية العيد

بقلم / أحمد باحمادي

أحمد باحمادي

في عيد ذلك العام كنتُ قد بلغت السابعة عشرة من عمري، أجل لقد كنت في عنفوان الشباب، مررتُ بمرحلة صعبة في البحث عن الذات، وكم فكرت في شكل مستقبلي، مستقبلي الغامض الذي سيشكله جهدي ودراستي ومعرفتي وعلاقاتي في هذه الحياة.

كنتُ قد بدأت أولى خطوات دراستي في الثانوية، حدّدتُ تخصصي ( العلمي ) وبذلك أكون قد تحملت مسئولية اختياري، الذي كانت نسبة كبيرة منه تعود إلى اتباع الأصدقاء، ومتابعة الأتراب، فحيثما اختار الجميع شيئاً تبع الباقون الخيار نفسه.

 كان التبع في كل شيء بما فيها ملابس العيد، فعندما يشتري الأصحاب حاجة من حوائج العيد، ويجب أن نتذكر أن منهم من كان ميسور الحال، ومن كان له أبٌ مسافر، ومن كان أبوه يتبوّأ مسئولية مرموقة، ومن كان سليل أسرة لم تعرف الفقر إلا في زمن أجدادها، حينها يفرض الشباب الفقراء على أهلهم شراء ملابش غالية لهم، أو أن يعطوهم مبلغاً كبيراً من المال ليختاروا من الملبس مثلما اختار أصحابهم الأغنياء.

وللأسف كنتُ من الفئة الثانية، فئة أبناء الفقر والمسكنة، فبسببه كنت أتجادل مع أهلي، وأدخل في دوامة من الغضب والشقاق، ولا أعلم حينها أنهم كانوا في حاجة لكل دينار ودرهم، كانت المباهاة تعمي عينيّ عن تحمّل مسئولية نفسي، ومعرفة حاجة أهلي الملحّة للمال لشراء بقية متطلبات العيد، لم أستشعر أية مسئولية بل كنت عكس ذلك تماماً, وكان تفكيري تجاه أهلي ينحصر في التالي ( طالما قد أتيتم بي إلى هذه الحياة القاسية فلتتحملوا مسئوليتكم ولا دخل لي بكم ).

نمت شعيرات الشارب أعلى فمي، وعلت وجهي مسحة من الرجولة في مبدأ أطوارها، وأحسست بعضلاتي المفتولة تزداد نمواً واتساعاً، زادت تلك التحولات من تمردي وعنادي، كانوا يقولون أنها مرحلة من مراحل المراهقة، ولم أعلم من ذلك شيئاً إلا أنني أشعر بفتوّة وتحدي يمكنني بها التغلب على كل مصاعب الحياة، والتصدي لكل من لا يرضخ لرغباتي.

مضت العيد وأنا أترنح بملابسي الغالية وأستعرض بها في الشوارع والميادين، لم يكن ليلفتني منظر أبي الذي كان يرتدي ملابس العيد الماضي، بل ما قبل قبل الماضي، كان يضحي بسعادته من أجلي، يرسم على محيّاه بسمة الأمل حينما يراني ولا شيء ينقصني أمام من هم مثلي حتى لو كان الأمر يدخله في مصاعب مالية، كان يأمل أن سيأتي يوم ونتعقّل فيه، ونعلم بكل التضحيات الكبيرة التي بذلها أهلنا من أجلنا، لقد ضحوا بشبابهم، بمالهم بوقتهم وجهدهم وراحتهم من أجل أن يرونا نمرح في سعادة، ننمو في حبور، ونرفل في لباس الصحة والعافية.

حينما كبرنا أحسسنا بكل تلك التضحيات المبذولة، بكل الأوقات الصعبة التي قضاها أهلنا في تربيتنا والصبر على نزقنا وحماقاتنا، ولا عذر لنا اليوم إلا أن نوّفي الدَّين الذي في أعناقنا لهم، هذا إن استطعنا أن نوفّيه حقاً، هذه أفعالهم، فما أفعالنا؟ وتضحياتهم، فما تضحياتنا؟

أيها الشباب : آن لكم أن تتحملوا عبء المسئولية .. أشعروا بمعاناة أهلكم ومجتمعكم ووطنكم وأمتكم، وابذلوا قصاراكم لتنهضوا بهم جميعاً .. أنتم مشاعل المستقبل، وسواعد البناء، وأحجار البنيان التي سيتجدد بها صرح أمتنا المتداعي .. قوموا من نومتكم .. اتركوا التفاهات والترهات .. وانبذوا الغايات الوضيعة .. وارفعوا رؤوسكم نحو المعالي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى