
سيؤن (حضرموت21) خاص
في خضم الصراع المعقد الذي تشهده البلاد لسنوات، تبرز محافظة حضرموت، الأكبر مساحة والأغنى بالموارد، كنموذج لافت في الحفاظ على استقرار نسبي، وصد محاولات متكررة لزعزعة أمنها، وهو صمود يعتبره مراقبون وسياسيون جنوبيون حاسماً لأمن هذه المحافظة.
ويعزو هذا النجاح إلى حد كبير إلى الحكمة السياسية والنهج الاستراتيجي للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعمل بتنسيق وثيق مع القوى المحلية الفاعلة في حضرموت، وفي مقدمتها قوات النخبة الحضرمية والمكونات المجتمعية والقبلية.
ويرى محللون أن إدراك المجلس الانتقالي المبكر لأهمية حضرموت الاستراتيجية ومخاطر الأطماع الحوثية والإرهابية فيها، دفعه لتبني سياسة متعددة الأوجه نجحت في تحصين المحافظة ضد محاولات الاختراق العسكري والتأثير الأيديولوجي.
كما يُنظر إلى هذا الصمود الحضرمي، المدعوم برؤية الانتقالي، كركيزة أساسية تقطع الطريق أمام مساعي الحوثيين لتوسيع نفوذهم شرقاً نحو مناطق الثروة والمنافذ البحرية الحيوية.
أطماع حوثية وتهديد مستمر
لم تخفِ جماعة الحوثي، منذ سيطرتها على صنعاء، أطماعها في المحافظات الجنوبية، وخاصة حضرموت. وتنظر الجماعة إلى المحافظة، بمواردها النفطية والغازية وموقعها الجغرافي وشريطها الساحلي، كجائزة استراتيجية يمكن أن تعزز موقفها العسكري والاقتصادي. وتجلت هذه الأطماع، بحسب مصادر أمنية وعسكرية جنوبية، في صور متعددة خلال السنوات الماضية.
وشملت هذه التهديدات محاولات متكررة لإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ باتجاه منشآت حيوية وموانئ في حضرموت، بهدف تعطيل صادرات النفط وممارسة ضغط اقتصادي. كما رصدت تقارير أمنية محلية محاولات تسلل لعناصر حوثية عبر الحدود الشاسعة، بالإضافة إلى جهود دعائية لاستقطاب ولاءات عبر خطاب يتنافى مع النسيج الاجتماعي الحضرمي المتسم بالوسطية.
أمام هذه التهديدات، تبنى المجلس الانتقالي الجنوبي، وفقاً لمحللين سياسيين، استراتيجية استباقية ودفاعية تميزت بـ”الحكمة وبعد النظر”. تمثلت أبرز محاورها في الدعم السياسي والمعنوي لقوات النخبة الحضرمية، باعتبارها القوة المحلية الأكثر قدرة وشرعية للدفاع عن المحافظة، وتحظى بثقة ودعم واسع من أبناء حضرموت. وساهم هذا الدعم في رفع تعزيز قدراتها على تأمين الحدود والمناطق الحيوية.
وفي هذا السياق، يرى المدير التنظيمي للهيئة التنفيذية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي بوادي وصحراء حضرموت، محمد محسن الكثيري أن حكمة قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي لعبت دوراً محورياً في كبح المساعي الحوثية الرامية إلى بسط نفوذها على حضرموت.
وأضاف الكثيري أن “هذا الدور تجلى في فضح المكونات المحلية التي تعمل كواجهة لخدمة أجندات المليشيات الحوثية، مما أضعف قدرتها على التغلغل في المحافظة”.
على الصعيد السياسي، عمل المجلس الانتقالي على تعزيز وحدة الصف الحضرمي والجنوبي، مؤكداً أن أمن حضرموت جزء لا يتجزأ من أمن الجنوب.
كما كثفت قيادة المجلس، وعلى رأسها الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي لقاءاتها مع القيادات الحضرمية المختلفة، مؤكدة على حق حضرموت في إدارة شؤونها ضمن دولة جنوبية فيدرالية، ورفض أي أجندات خارجية.
وأشار الكثيري إلى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي إلى حضرموت كانت كاشفة، وأوضحت الكثير من المخططات التي كانت تُدار في الخفاء بهدف مصادرة الإرادة الحقيقية لأبناء حضرموت ومحاولة اختزال تمثيلهم في كيانات سياسية أو قبلية معينة.
وبشأن الوضع الأمني والسياسي، قال الكثيري: “لا شك أن التحديات الأمنية والسياسية جسيمة، ولكن مستوى التنسيق بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى المحلية الفاعلة في حضرموت، بما في ذلك قوات النخبة الحضرمية، بلغ مستوى متقدماً جداً”. وأكد أن “هذا التنسيق يهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على أمن واستقرار حضرموت وصون قوات النخبة الحضرمية كمؤسسة أمنية وعسكرية رائدة”.
من جانبه، قال المحلل السياسي محمد الجفري: “حكمة القيادة تمثلت في إدراك أن قوة حضرموت تكمن في وحدة أبنائها وتمكينهم من الدفاع عن أرضهم. لقد دعم المجلس الانتقالي التوجه الحضرمي في مواجهة التهديدات، وهو ما أثبت هذه الكفاءه العالية”.
قال وأضاف الجفري “المشهد السياسي في محافظة حضرموت يشهد حراكاً متجدداً وتطورات هامة، تتزامن مع تصاعد الحديث عن “حقوق حضرموت” وأولوياتها في المرحلة الراهنة”.
وأوضح الجفري أن “الدعوة لضمان حقوق حضرموت تمثل قاسمًا مشتركًا بين أبناء المحافظة، لكن الأهم هو ملاحظة التحول في طبيعة القيادة الفاعلة على الأرض وقدرتها على ترجمة هذه التطلعات إلى واقع”.
وأضاف المحلل السياسي: “نشهد اليوم تأكيداً على الدور المحوري لقيادات حضرمية ذات ثقل وخبرة في توجيه مسار الأحداث، وفي طليعة هذه القيادات يأتي اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بما يمثله من حضور سياسي وعسكري”.
وتابع الجفري قائلاً: “هناك تفاؤل حذر بإمكانية أن تنجح النخبة القيادية الحضرمية، بتنسيق وثيق فيما بينها، في تجاوز التحديات الداخلية المزمنة وتعزيز اللحمة والكلمة الواحدة داخل البيت الحضرمي، بما يخدم استقرار المحافظة ومستقبلها”.
إفشال المخططات الإرهابية
تُعتبر حالة الاستقرار الأمني النسبي في مناطق واسعة من حضرموت دليلاً ملموساً على نجاح هذه المقاربة. فقد تمكنت قوات النخبة الحضرمية، بدعم وتنسيق، من إحباط العديد من محاولات التسلل والهجمات. وأعلنت السلطات الأمنية عن ضبط خلايا نائمة وتفكيك شبكات تجسس مرتبطة بالحوثيين في مناسبات مختلفة.
على الصعيد الشعبي، لم تجد الدعاية الحوثية صدى يذكر في الشارع الحضرمي. بل أظهرت الفعاليات الجماهيرية على مدى الفترات السابقة، رفضاً قاطعاً للمشروع الحوثي وتمسكاً بالهوية الجنوبية وبالمشروع الذي يمثله المجلس الانتقالي.
وتحدث الكثيري عن الحضور المتنامي للمجلس الانتقالي في حضرموت قائلاً: “إن النجاحات التي حققها المجلس الانتقالي على الساحة الحضرمية قد عززت بشكل لافت الوعي لدى الشارع الحضرمي بأن المجلس هو الحامل السياسي الفعلي والمعبر عن إرادة أبناء حضرموت، وما مليونية “حضرموت أولا” إلا تأكيد على ذلك.
وتابع الكثيري: “هذا يتناقض مع تجارب المكونات السياسية الأخرى التي ظهرت مؤخراً ثم اختفت، والتي لم تحظ بثقة أبناء حضرموت بسبب تجارب سابقة على مدى العقود الثلاثة الماضية أثبتت عدم فعاليتها أو تمثيلها الحقيقي لطموحاتهم”.
وقال الباحث الاجتماعي الحضرمي، عمر بن هلابي: “المجتمع الحضرمي محصن ثقافياً واجتماعياً ضد الأيديولوجيات المتطرفة. وعندما وجد هذا المجتمع قيادة سياسية (الانتقالي) تحترم خصوصيته وتدعم خياراته المحلية، وقوة عسكرية من أبنائه (النخبة) تدافع عنه، التف حولهما ورفض كل محاولات الاستقطاب الحوثية”.
ويُنظر إلى فشل الحوثيين في إيجاد موطئ قدم حقيقي أو حاضنة شعبية في حضرموت كانتصار مباشر لاستراتيجية التحصين التي يقودها الانتقالي بالتعاون مع القوى المحلية.
مستقبل آمن
وبشأن التحديات القائمة، قال المحلل السياسي الجفري: “لا يمكن تجاهل التحديات الأمنية والسياسية المعقدة، خصوصاً تلك المرتبطة بمحاولات الجماعات المتطرفة، كالقاعدة وتنظيم داعش، لإيجاد موطئ قدم، فضلاً عن الأجندات التي قد تسعى لفرضها جماعة الإخوان المسلمين لتعويض خسائرها في مناطق أخرى”.
وأضاف: “توجد مؤشرات واضحة على أن حضرموت باتت هدفاً لهذه القوى التي تسعى لزعزعة النموذج الأمني الذي تحقق بجهود أبناء المحافظة، واستهداف قوات النخبة الحضرمية التي أثبتت جدارتها كصمام أمان رئيسي، والتي تمثل إنجازاً حضرمياً بامتياز تم بناؤه بتضحيات كبيرة”.
وأكد الجفري أن “المحاولات الرامية لفرض وصاية خارجية على حضرموت أو نهب مقدراتها لن تمر بسهولة، فالتقديرات تشير إلى وعي متزايد وتصميم لدى القيادات الوطنية والمحلية المخلصة والشعب على مواجهة هذه المخططات”.
وتحدث الجفري عن جهود لم الشمل قائلاً: “تؤكد المعطيات وجود جهود دؤوبة لتوحيد الصف الحضرمي، يقودها اللواء بن بريك عبر حوارات ولقاءات مكثفة مع مختلف الأطياف والشخصيات المؤثرة، بما في ذلك التواصل الإيجابي مع شخصيات مثل الشيخ عمرو بن حبريش، بهدف بلورة موقف حضرمي موحد وقوي يتجاوز الانتماءات الضيقة ويتوافق مع تطلعات أبناء الجنوب عامة وحضرموت خاصة”.
وأكد المحلل السياسي محمد الجفري أن التحركات الجارية واللقاءات السياسية رفيعة المستوى التي تعقدها القيادات الحضرمية البارزة تهدف لوضع خارطة طريق واضحة ومستدامة لمستقبل حضرموت.
وأضاف: “الأمل معقود على أن تتوج هذه الجهود المخلصة بتعزيز الاستقرار وتحقيق تطلعات أبناء المحافظة نحو مستقبل آمن ومزدهر، وقد تكون الفعاليات الهامة القادمة، مثل ذكرى تحرير ساحل حضرموت، فرصة لإظهار هذه الوحدة المنشودة والتفاف الحضارم حول قيادتهم الرشيدة”.
يؤكد نجاح حضرموت في صد المخططات الحوثية، بفضل حكمة المجلس الانتقالي وتلاحم أبنائها، أهمية المسار الذي اختارته المحافظة ضمن المشروع الجنوبي. ويبدو أن هذا النجاح يعزز قناعة الحضارم بأن مستقبلهم الآمن والمستقر يكمن في شراكة فاعلة ضمن دولة جنوبية فيدرالية تحترم خصوصية كل منطقة.
كما يمكن القول إن هذا النجاح يعزز رسالة للمجتمع الإقليمي والدولي بأن المجلس الانتقالي والقوى الجنوبية المتحالفة معه يمثلون شريكاً موثوقاً في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار.
وجدد محمد الكثيري تأكيده على أن “حضرموت ستظل، كما كانت دائماً، جنوبية الانتماء والهوية، وجزء أصيلاً من نسيج الجنوب”.
كما يؤكد المحلل السياسي الجفري ذلك قائلا: “لقد أثبتت الأيام حكمة قيادتنا في الانتقالي وقدرة أبنائنا في النخبة. حضرموت عصية على الحوثي وعلى كل من يريد الشر بها. سنبقى في قلب الجنوب، مدافعين عن أرضنا وعرضنا، وماضون مع المجلس الانتقالي نحو تحقيق كامل أهداف شعبنا في الحرية واستعادة دولتنا”.