
المكلا (حضرموت21) خاص
تشهد محافظة حضرموت، الأكبر مساحة والأغنى بالموارد، تصاعداً ملحوظاً في الحراك الشعبي الرافض لأي محاولات لإعادتها إلى إطار الدولة اليمنية، وسط إصرار متزايد على خيار استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة، وهو الهدف الذي يرفعه المجلس الانتقالي الجنوبي كمشروع استراتيجي لا تراجع عنه.
وخلال السنوات الأخيرة، تحولت مدن حضرموت الرئيسية، في الوادي والساحل، إلى ساحات للتعبير عن الإرادة الشعبية، حيث شهدت تظاهرات حاشدة ومهرجانات جماهيرية متكررة. وبلغ هذا الحراك ذروته في فعاليات حاشدة، كانت آخرها يوم الخميس الماضي بمدينة المكلا، وصفها مراقبون بأنها استفتاء شعبي، أكدت بشكل قاطع على الهوية الجنوبية لحضرموت ورفضها لأي مشاريع سياسية تهدف إلى إعادتها مجدداً في إطار الوحدة اليمنية.
ويعتبر غالبية سكان الجنوب، ومن ضمنهم قطاعات واسعة في حضرموت، تجربة الوحدة التي بدأت عام 1990 وانتهت فعلياً بحرب صيف 1994، فترة اتسمت بالتهميش الممنهج والإقصاء السياسي والاقتصادي والثقافي لمحافظات الجنوب.
ويرى مراقبون أن جذور هذا الرفض تعود إلى عقود من الشعور بالظلم، حيث يعتقد الكثيرون في الجنوب أن سياسات الحكومات المتعاقبة في صنعاء أدت إلى استنزاف موارد حضرموت الغنية، خاصة النفطية، دون أن يترجم ذلك إلى مشاريع تنموية حقيقية تخدم أبناء المحافظة.
استعادة الدولة الجنوبية
كغيرهم من أبناء محافظات الجنوب، لقد أدى شعور أبناء حضرموت بالتهميش الاقتصادي، المقترن بالإقصاء السياسي والثقافي، إلى تعميق المرارة وتغذية المطالب المتزايدة بالاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية التي كانت قائمة قبل عام 1990.
وفي هذا السياق، أكد مدير الإدارة الاقتصادية والخدمية بالهيئة التنفيذية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي لشؤون مديريات وادي وصحراء حضرموت، نايف نصير، على أن “موقف الغالبية العظمى من أبناء حضرموت واضح تماماً وقد تجسد في تظاهرات حاشدة متعددة، ومن ضمنها مليونية “حضرموت أولا” والتي أكدت أن مشروع الدولة الجنوبية الفيدرالية هو الخيار الذي يمثل قناعة راسخة لدى شعبنا”.
وأضاف نصير بلهجة تعكس الإجماع الشعبي الذي يشير إليه: “ما يُسمى بالوحدة اليمنية يُنظر إليه على نطاق واسع في الجنوب، وفي حضرموت تحديداً، كشكل من أشكال الاحتلال، وأن التضحيات الغالية ودماء الشهداء التي سُفكت قد رسمت مساراً واضحاً لا رجعة فيه نحو استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة”.
وفي قراءة معمقة للموقف الشعبي السائد في حضرموت، قال المحلل السياسي والعسكري العميد سعيد الشعملي: “إن موقف الغالبية العظمى من أبناء حضرموت تجاه ما يُسمى بالمشروع اليمني واضح تماماً؛ فالعودة إلى هذا الماضي تعتبر أمراً مستبعداً وغير مطروح للنقاش”.
ويعزو الشعملي هذا الموقف الحاسم إلى التجربة التاريخية، مضيفاً أن “التجربة السابقة، من منظور حضرمي، لم تجلب سوى تداعيات سلبية أثرت على النسيج الاجتماعي والثقافي، وأعاقت تطلعات المحافظة نحو التقدم والاستقلال الفكري والحضاري”.
ويشير الشعملي إلى أن تلك المرحلة لم تقتصر آثارها السلبية على الجوانب الاقتصادية والسياسية، بل امتدت لتترك “انقسامات مجتمعية عميقة”، وتسهم في “تفشي ظواهر سلبية أثرت بشكل خاص على جيل الشباب وآفاق مستقبلهم، فضلاً عن محاولة فرض أيديولوجيات دخيلة على الهوية الحضرمية الأصيلة”.
هذا التوجه، يمكن ملاحظة صداه في الشعارات التي يرفعها المتظاهرون خلال الفعاليات الشعبية والتصريحات المتكررة لقيادات محلية ومجتمعية في حضرموت، والتي تشدد على ضرورة الحفاظ على الخصوصية الحضرمية ضمن إطار جنوبي جامع يحترم التنوع ويضمن المشاركة العادلة في السلطة والثروة.
دولة جنوبية فيدرالية بقيادة الانتقالي
في ظل رفض أبناء حضرموت القاطع للماضي، تبرز تساؤلات حول المسار المستقبلي للمحافظة. وبالحديث عن السيناريوهات السياسية المحتملة، يعتبر العميد سعيد الشعملي أن “التوجه نحو مشروع الدولة الجنوبية الفيدرالية، بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، يمثل المسار السياسي الأكثر واقعية وقبولاً لدى القطاعات الشعبية الأوسع في حضرموت والجنوب عامة”.
ويوضح الشعملي أن هذا التوجه لا يمثل مجرد رغبة سياسية عابرة، بل هو “ضرورة لضمان مستقبل آمن ومستقر ومزدهر لأبناء الجنوب، وهو الخيار الوحيد القادر على تحقيق تطلعاتهم المشروعة التي ناضلوا من أجلها طويلاً وقدموا في سبيلها تضحيات جسيمة”.
ويرى الشعملي أن هذا الخيار يُنظر إليه باعتباره “الضمانة الأساسية لتحقيق الأهداف المشتركة لأبناء الجنوب في بناء مستقبل سياسي جديد” يقطع مع إرث الماضي.
هذه الرؤية يؤكدها مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي، الذين يعبرون عن ثقة عالية في التفاف الحضارم حول هذا الهدف. وفي هذا الإطار، عبر نايف نصير عن ثقته قائلاً: “لدينا ثقة كبيرة بأننا كحضارم سنتوافق، عاجلاً أم آجلاً، على مصير واحد ضمن دولة فيدرالية جنوبية”.
ويقلل نصير من أهمية أي خلافات داخلية قد تظهر، مشيراً إلى أن “التباينات والاختلافات الحالية في وجهات النظر ستتلاشى تدريجياً، حيث يدرك الجميع أن المشروع الجنوبي هو المسار الحقيقي لبناء دولة تحفظ مكانة الجميع وكرامتهم”.
ويؤكد نصير على الدور المحوري المتوقع لحضرموت في الدولة المنشودة، قائلاً: “حضرموت لن تكون إلا في موقع الصدارة والقيادة، كما عهدناها دوماً في تاريخها العريق”.
ويبدو أن هذا السيناريو يكتسب قوة دفع متزايدة على الأرض، مدعوماً بعوامل عدة، أبرزها الحضور السياسي والعسكري المؤثر للمجلس الانتقالي الجنوبي في أجزاء واسعة من الجنوب، بما في ذلك مناطق استراتيجية في حضرموت.
كما أن دور المجلس كشريك رئيسي في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وعضويته الفاعلة في مجلس القيادة الرئاسي اليمني المشكل حديثاً، يمنحه أوراق قوة تفاوضية وسياسية لا يمكن تجاهلها في أي تسوية مستقبلية.
إصرار على تحقيق الهدف رغم التحديات
على الرغم من الزخم الشعبي والتنظيمي المتزايد لصالح خيار الدولة الجنوبية، يقر المراقبون والفاعلون السياسيون بوجود تحديات كبيرة لا تزال قائمة.
ويضيف الشعملي: “قد تكون هناك رؤى أو مصالح لدى بعض الأطراف الإقليمية تفضل استمرار الوضع الراهن أو صيغة سياسية لا تلبي بالضرورة تطلعات شعب الجنوب بالكامل، وهذا يشكل عقبة تتطلب دبلوماسية حثيثة وجهوداً سياسية مكثفة للتغلب عليها”.
ورغم ذلك، يؤكد العميد الشعملي على أن المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي لن يقف مكتوف الأيدي. فقد سبق أن قال الرئيس الزُبيدي أن تحقيق الهدف مرتبط بتطلعات شعب كامل أكبر من أن يؤثر عليه أشخاص أو حتى دول.
ويشدد الشعملي على ضرورة “التأكيد على أن استقرار الجنوب وتحقيق تطلعات أهله يصب في مصلحة استقرار المنطقة ككل”.
وعلى المستوى الداخلي، يتمثل التحدي، بحسب مراقبين، في استكمال توحيد كافة المكونات الحضرمية والجنوبية خلف رؤية ومشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، والتصدي لمحاولات بعض القوى المناوئة للمشروع الجنوبي، والتي تتلقى دعماً من أطراف يمنية وإقليمية تسعى لشق الصف الجنوبي أو إثارة نعرات مناطقية بهدف إضعاف القضية الجنوبية والحيلولة دون تحقيق أهدافها.
ومع ذلك، يبدي المسؤولون في المجلس الانتقالي الجنوبي تفاؤلاً وقدرة على تجاوز هذه العقبات. يؤكد نايف نصير قائلاً: “ندرك أن المشهد العالمي والإقليمي المعقد، بما يشهده من نزاعات وتحالفات متغيرة، قد يفرض صعوبات ويؤخر الحسم النهائي، لكن كافة المؤشرات والمعطيات على الأرض تؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس عيدروس قاسم الزُبيدي، يسير بخطى ثابتة وواثقة نحو تحقيق هدف استعادة الدولة”.
ويشدد نصير على الدور الحاسم للإرادة الشعبية في هذه المرحلة، داعياً إلى “الالتفاف الشعبي الصلب حول القيادة الجنوبية ومنح تفويض كامل وواضح للقوات المسلحة الجنوبية لاستكمال تحرير ما تبقى من أراضي الجنوب وفرض الأمر الواقع”. ويعبر نصير عن قناعته بأن “المجتمع الدولي، بما في ذلك القوى الكبرى، يتعامل في نهاية المطاف مع الحقائق القائمة على الأرض”.
الرهان على الإرادة الشعبية والقيادة الجنوبية
في المحصلة، تقف حضرموت اليوم على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخها. وبينما تتعالى الأصوات الرافضة للعودة إلى تجربة الماضي اليمني وتزداد زخماً وقوة، يتعزز في المقابل التوجه نحو الانخراط الكامل في مشروع الدولة الجنوبية الفيدرالية الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي.
وعلى الرغم من التحديات الداخلية والخارجية القائمة، والتي تتطلب حكمة سياسية ودبلوماسية نشطة، فإن الإرادة الشعبية الحضرمية، المستندة إلى تاريخ طويل من التطلع نحو الاستقلال والتقدم والحفاظ على الهوية المتميزة، تبدو هي العامل الأكثر حسماً في رسم ملامح مستقبل المحافظة ضمن واقع سياسي جديد آخذ في التشكل في الجنوب.
ويبقى السؤال المحوري معلقاً حول كيفية تعاطي القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف المحلي مع هذه الإرادة الشعبية المتصاعدة، ومدى استعدادها للاعتراف بالحقائق الجديدة التي يفرضها المجلس الانتقالي الجنوبي وحلفاؤه بقوة على الأرض، والتي قد تعيد رسم خريطة التحالفات والمصالح في المنطقة.